المجيب
قال تعالى:
إن ربي قريب مجيب "61" (سورة هود)
هو
القريب المجيب، الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ونسأله تعالى أن نستجيب له
بطاعته،
سبحانه، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى:
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم
.. "24"
(سورة
الأنفال)
وقال تعالى:
ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله .. "61" (سورة
الشورى)
للذين استجابوا لربهم الحسنى
"18"(
سورة الرعد)
هو أنشأكم من الأرض
واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب "61" (سورة هود)
ثم
لنقرأ خمس كلمات من النور:
ولقد نادانا نوح
فلنعم المجيبون "75" (سورة الصافات)
الله سبحانه وتعالى حين تتجه إليه
فبمجرد أن ترفع يدك إلي السماء وتصيح يا رب يعلم ماذا تطلب، ويجيبك دون أن
تسأل،
لماذا؟ لأنه يعلم، وقد قيل: إن إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار. جاء
جبريل
وسأله: هل تريد شيئاً؟ فقال: منك أنت فلا، أما من الله .. فالله يعلم بحالي
ولذلك
هو غني عن السؤال. هذه هي عزة الاتجاه إلي الله، فنبي الله إبراهيم ـ عليه
السلام ـ
حين جاءه جبريل، وهو من أقرب الملائكة إلي الله، إن لم يكن أقربهم جميعاً.
جاء
جبريل لإبراهيم .. وإبراهيم ملقى في النار، والنار تشتعل حوله، والناس
واقفون
ينتظرون إحراق إبراهيم.
وفي هذه اللحظة الحاسمة التي تدخل الخوف والهلع إلي
أقوى القلوب .. لم يشعر إبراهيم عليه السلام أنه في حاجة إلا إلي الله
سبحانه
وتعالى، ولم يطلب من جبريل عليه السلام أن يبلغ الله شيئاً. لماذا؟ لأن
الله سبحانه
وتعالى ليس محتاجاً إلي سؤال، بل هو يعلم بما في داخل النفس، وما يخفيه
الإنسان ولا
يبوح به لأحد.
ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى:
فإنه يعلم السر وأخفى "7" (سورة طه)
وتتعجب أنت من هذه
الآية الكريمة، أيوجد ما هو أخفى من السر؟ نقول لك: نعم، لماذا؟ لأن السر
يكون بين
اثنين: أحدهما يسره للآخر أي: يلقيه إليه أو يحدثه عنه، أو يكلمه فيه، ولا
ثالث
بينهما. هذا هو السر، ولكن الذي هو أخفى من السر هو ما في داخل النفس لا
تبوح به
لأحد، فهناك أشياء تعرفها أنت ويعرفها أقرب الناس إليك، هذا هو السر، سرك
بينك وبين
زوجتك، أو بينك وبين أخلص أصدقائك.
إما ما هو أخفى من السر فهو ما تخفيه عن
زوجتك أو بينك وبين أخلص أصدقائك ويبقى في صدرك حبيساً لا يعرفه أحد، فكأن
الله
سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا: إن علمه لا يصل إلي السر فقط الذي بين
اثنين لا
يعرفه ثالث، ولكن علم الله يصل إلي ما تخفيه الصدور ولا يبوح به. ولذلك فإن
الله
سبحانه وتعالى غني عن السؤال، وإذا لم يقل العبد ولم يبح له، ولكنه نزع إلي
السماء
قائلاً: يا رب فالله يعلم، والله يجيب.
فسؤال الله يقيك الذلة، وهذا يستوجب
الحمد، وسؤال الله يعطيك ما تطلب وزيادة، لأنك إذا سألت شخصاً ما مثلاً قد
لا يعطيك
المال كله، حتى ولو كان يملكه ويملك أضعافه، فإنه قد يشح عليك ويحس أنك
تقتطع من
ماله. أما الله سبحانه وتعالى فإنه يعطيك كل ما تطلب ويزيد، لأنه يملك
خزائن الأرض،
وأنه مهما أعطاك ووهبك فإنك لن تنقص من ملكه شيئاً، وهذه نعمة أخرى تستوجب
الشكر،
فالبشر يعطي بحساب، والله يعطي بلا حساب.
وأنت إذا سألت بشراً فقد يعطيك أو
يمنعك، ولكنه إن أعطاك أو منعك هو في هذه الحالة متضرر متأفف قد تذهب مرة
لتسأله
فيعطيك، ثم تذهب مرة أخرى فيهرب منك، أو يطلب من خادمه أو أهل بيته أن
يقولوا لك:
إنه غير موجود. ولكن الله سبحانه وتعالى لا يضجر منك أبداً مهما سألت، فإنه
يطلب
منك أن تسأله ويقول لك "ادعوني" ويقول لك إنني قريب منك أسمع دعاءك، ويقول
الله
سبحانه وتعالى:
ادعوني أستجب لكم .. "60" (سورة
غافر)
فأنت حين تسأل الله، تسأل من لا ينهرك إذا سألته، ولا يهرب منك
إذا دعوته، ولا يصيبه السأم أو الضجر مهما دعوت ومهما سألت، فهو دائماً
المجيب، ومن
كمال الله وصفاته سبحانه وتعالى أنه مجيب للدعاء، وهذا يستوجب الحمد وأن
تقول:
الحمد لله. والإجابة تحتاج إلي الاستجابة، يقول الحق سبحانه وتعالى:
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان
فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186" (سورة البقرة)
والإجابة
تعطي للداعي جهراً وسراً وصمتاً وخاطراً فهو عالم السر وأخفى. ويقول الحق
جل وعلاه:
واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من
القول بالغدو والآصال .. "205" (سورة الأعراف)
وقال تعالى:
أمن يجيب المضطر إذا دعاه .. "62" (سورة النمل)
ومعنى المضطر، أي الذي استنفذ كل أسباب الدنيا، فهو حينئذ يفزع إلي الله
سبحانه
وتعالى أن يمده بمدد من عنده بعد أن استنفد الأسباب، وهذه النقطة يجب أن
نقف عندها،
لأن بعض الناس يسألون: لماذا لا يجيب الله دعاءهم؟ ويقولون: إن الله سبحانه
وتعالى
قال:
{وإذا
سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة
الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186"} (سورة
البقرة)
ثم يضيف القائل: لقد دعوت الله فلم يستجب لي. نقول له: إن الله
سبحانه وتعالى يأمرك أولاً أن تأخذ بالأسباب، ولكنك حين تتخلى عن أسباب
تحركك في
الحياة، ثم تطلب من الله فإنه لا يجيبك، لأنك لم تأخذ بأسباب الحياة أولاً.
لذلك
فأنت لست مضطراً، أي: أنك لم تستنفذ الأسباب. فإذا كنت جالساً في حجرة
مثلاً، وفي
الحجرة القريبة منك مائدة طعام، ثم تقول: أبي إنني جائع فأمدني بالطعام،
فإن الله
سبحانه وتعالى لا يجيبك. لماذا؟
.
لأنك لو سرت قليلاً واستعملت قدميك اللتين
أعطاهما الله لك لوصلت إلي الطعام، أي: أنك لو أخذت بأسباب الدنيا لوصلت
إلي ما
تريد. وأنت لو جلست في منزلك ولم تخرج إلي عملك وتقول: يا رب أعطني مالاً
ما أعطاك،
لماذا؟ لأنك لم تأخذ بالأسباب ولم تذهب إلي السوق لتتاجر مثلاً أو إلي عمل
لتعمله،
تجد فيه رزقك.
فأنت في هذه الحالة لست مضطراً حتى يمدك الله سبحانه وتعالى
بالعون، ولكنك تتكاسل لا تريد أن تبذل جهداً لذلك، قال عمر بن الخطاب: "لا
يقعدن
أحدكم عن طلب الرزق ثم يقول: اللهم ارزقني. فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا
فضة".
وكأن قول عمر بن الخطاب معناه أنه لابد من الأخذ بالأسباب، وأنه لو كان
سبحانه
وتعالى قد ألزم نفسه بإجابة الدعاء لما قال:
أمن
يجيب المضطر إذا دعاه .. "62" (سورة النمل)
أي: أننا يجب أن نأخذ
بالأسباب أولاً، فإذا عجزت الأسباب اتجه إلي السماء، وقد دعا رسول الله صلى
الله
عليه وسلم إلي العمل وإلي السعي في سبيل الرزق، وإلي أن يكسب الإنسان رزقه
من عرقه
وجعل السعي في سبيل الرزق جهاداً في سبيل الله، وأنت أمامك الأسباب، يد
الله ممدودة
لك بالأسباب، ثم تطلب من الذات أن تعينك.
[ عودة للقائمة الرئيسيّة ]
|