رفيف فتّوح

 

نشأت في عائلة تعشق الفن شعرا وغناء وموسيقى، والدها شاعر غنائي معروف هو محمد علي فتّوح، لذا اقتحمها عالم الكتابة في وقت مبكر، فكانت روايتها الأولى (لا شيء يهمني) 1971م ثم رواية (بيروت الأزقة والمطر) في العام 1974م وبعد عام من صدور ونجاح تلك الرواية بدأت رحى الحرب اللبنانية تدور. بعدها بسنوات صدرت لها مجموعة قصصية بعنوان (تفاصيل صغيرة) التي حملت بحساسية شديدة صوت امرأة شردتها الحرب وطاردتها الذكريات في كل مكان تعيش به، أعيدت طباعة تفاصيل صغيرة أكثر من مرة حتى عام 1998م، حتى تمت ترجمتها أخيرا إلى الفرنسية لتصدر من جديد عن دار لارماتان الفرنسية الشهيرة... صاحبة هذا المشوار الإبداعي هي الكاتبة اللبنانية رفيف فتوح التي تحدثت عن تشكيل الحرب اللبنانية مفرقا حادا في مسيرة عدد من المبدعين اللبنانيين بقولها: دائما كانت هموم الإنسان العادية هي شاغلي الأول، صراعات النفس البشرية سواء أكانت بسيطة أو قاتلة من شك إلى غيرة وحكايا حب ودهشة وظلم، ثم الحاجة الماسة والملحة إلى التسامح. أما الحرب فماذا قالت لنا؟ أكدت على أن الأساس الذي مازلنا نحاول أن نبني عليه كان خطأ. إن همي الآن هو أن أعرف لماذا انهار هذا البيت؟ وأين كان الخطأ وماذا علينا أن نفعل كي نتفادى ما ارتكبناه من أخطاء. الحقيقة هذه الأسئلة التي تشغلني اليوم. وألاحظ بكل أسف أن هذه الأسئلة، على الرغم من أنها أساسية وجوهرية تكاد تكون غائبة عن هموم واهتمامات أولي الأمر من حكام وأصحاب قرار. أعتقد أننا لم نتعلم الكثير من هذه الحرب، فما نشهده اليوم من ممارسات يدل على أننا نعود للوراء ولم نكتف بعدم التعلم من الأخطاء فقط. كيف يمكنني أن أعبر عن هذه الحالة؟.
هذا هو السؤال الذي يشغلني الآن. هذا لا يعني أنني تخليت عن الاهتمام بتلك التفاصيل الصغيرة التي شغلتني طوال سنوات عمري ما قبل الحرب.


وفي سؤال عن المقاييس التي يبني الغرب عليها قرار تبنيه لموهبة إبداعية عربية قالت فتوح: ألاحظ أولا وبكل سعادة أن الإبداع العربي سواء أكان رواية أم لوحة تشكيلية أو أغنية أو فيلما أو شعرا، قد بات موضع ترحيب بشكل واضح في عواصم الغرب، خصوصا باريس، حيث أقيم، لقد تحولت باريس إلى عاصمة ثقافية عربية بامتياز، بكل ما تشهده من تظاهرات ثقافية عربية كثيرة ومتلاحقة، فدور النشر الفرنسية تصدر حاليا عشرات الكتب المترجمة عن اللغة العربية سنويا. هذا يدل على مدى اهتمام الغرب عامة وفرنسا خاصة بالثقافة العربية في الوقت الراهن. أعود وأطرح السؤال حول المقاييس التي يتبنى من خلالها الغرب مبدعا عربيا؟.


لا يمكن بالطبع فصل هذه المقاييس عن القيم الغربية، وبالتالي فالغرب لا يتبنى حكما على أي عمل فني يدعو إلى العنف ولا إلى التعصب، أو الانغلاق على النفس. وهل ساهمت ترجمة أعمال بعض المبدعين العرب بدرجة أو بأخرى في تغيير نظرة الغرب للعالم العربي؟.
دون شك في ذلك، ولكن يجب أن نلاحظ أن التأثير الحقيقي للفن والإبداع يحتاج إلى زمن. الإبداع في كافة دروبه هو أفضل وسيلة للتفاهم بين الشعوب والحضارات. من هنا تأتي أهمية المثقفين والمبدعين العرب المقيمين في الخارج، واليوم بالتحديد حيث تواجه الأمة العربية تحديات خطيرة جدا ليس أكبرها ما يقال أو أعقدها ما يقال عن صراع الحضارات، وأعتقد أن ما ترجم للمبدعين العرب من أعمال إلى لغات أجنبية ساهم حتى الآن مساهمة أكيدة في حوار العربي مع الآخر، ولكن ليس بالقدر المطلوب أو المأمول منه.
وعن دور المبدعين العرب المقيمين في الخارج. بعد أحداث 11 سبتمبر، قالت: أحداث سبتمبر غيرت العالم كله، وجعلتني مثل غيري من العرب والمسلمين المقيمين في الخارج ـ في الغرب خاصة ـ في مواجهة مباشرة مع أطروحات تتحدث عن الصراع الحضاري والحرب الصليبية ضد الإسلام. أفكار خطيرة جدا بدأت تفرض علينا عمل مراجعة عميقة مع أنفسنا ومع الآخرين. لقد أصبحت هذه الأحداث مفصلا أساسيا في حياتنا جميعا، ولعل هذا المفصل يدعونا نحن العرب والمسلمين إلى خيارات جوهرية في حاضرنا ومستقبلنا تتعلق بانتمائنا وتراثنا وقيمنا أكثر من أي وقت مضى، على أن يتم بالتوازي مع انتمائنا إلى العالم من حولنا وإيقاع العصر والحداثة.

 

أحاول أن أستعيد الدم

لأدخل في الجمود الذي سكنني

أن أستعيد الرمادي، الأزرق والأصفر

أن أوقظ الأطفال الذين سقطوا عن فرحهم

أن أستعيد الدم.


بهذه الكلمات افتتحت الكاتبة رفيف فتوح كتابها "تفاصيل صغيرة"، الذي امتلأت سطوره بأوجاع حقيقية للعديد من جوانب الحرب اللبنانية وأصدائها. وربما هذا ما جعل الأوساط الثقافية الفرنسية والعربية تحتفل بترجمته إلى الفرنسية عبر دار "لارماتان" الفرنسية للنشر، التي اختارته ضمن أفضل ثلاثة كتب أصدرتها الدار عام 2001 م.

 
ومما لاشك فيه أن انفعالات الكاتبة بكافة تفاصيل الحرب التي دمرت بلادها في وقت ما، جعلت أوجاع كلماتها تعود وتتقافز من جديد بين ثنايا أحداث انتفاضة الشعب الفلسطيني، لتؤكد أن أوجاع الاحتلال والقهر والحروب كثيراً ما تتشابه في تفاصيلها الصغيرة.
وفي أحد تفاصيل رفيف فتوح تقول:

رأسها بين يديها ويأتي، يقرع الباب، في مثل هذا الوقت، باب بيت مشلوح على زاوية "الجامعة العربية" رنة واحدة وطويلة، يأتي تعرفه من حذائه على الدرج، خطى ناعمة وخفيفة، من مفاتيح السيارة وصوت بابها حين يغلق، من شيء في داخلها يقول إنه هو ولا يخطئ. تلثم أصابع يديه، وتلف بيديها الصغيرتين وسطه. ينظر كتاباً على الطاولة:
ـ الأندلس أيضا؟

ـ أبحث عن أجدادي

ـ يذبحون الفلسطينيين

ـ من؟


شاخت الذاكرة ودمشق. "تل الزعتر والخيمة وأنا ..." أي حب سيحمله إلينا الأطفال، إذا قدرت لهم الحياة؟.

وعن أوجاع رفيف تؤكد لنا أنها حتى هذه اللحظة لم تستطع أن تتخلص من آثار الحرب اللبنانية بداخلها، تقول: الحرب حفرت في أعماقنا خندقاً، وبالنسبة لي يصعب ردمه تماماً، إني أعيش الكثير من تفاصيله حتى الآن، والتي كتبتها على شكل تداعيات لا تفارقني.

//-->