60
العهد المدني
غزوة بني قريظة :
فأمر رسول الله مؤذنا فأذن في الناس أن من كان سامعاً مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ولما رأي اليهود جيش المسلمين أسرعوا بإغلاق حصونهم وحاصرهم المسلمون خمسا وعشرين ليلة علي رأي ابن إسحاق فلما أيقنوا بأن رسول الله غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد لهم : يا معشر اليهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وأني عارض عليكم خلالا ثلاثة فخذوا أيهما شئتم قالوا:وما هي ؟ قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فواله لقد تبين لكم إنه لنبي مرسل وإنه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنون علي دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا: لا نفارق حكم التوراة ابدأ ولا نستبدل به غيره قال : فإذا أبيتم علي هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجلا مصلتين السيوف لم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نهلك تهلك ، ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه وأن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء قالوا : نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم ؟ قال فإن أبيتم علي هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسي أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها فأنزلوا لعلنا نصيب من محمد و أصحابه غرة قالوا : تفسد سبتنا علينا وتحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ قال :ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازماً ولما اشتد عليهم الحصار أرسلوا إلى النبي أن يبعث لهم أبا لبابة ـ وهو من حلفائهم الأوس ليستشيروه في أمرهم فأرسله النبي إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والأطفال يبكون في وجهه فرق لهم أبو لبابة وقالوا له يا أبا لبابة أترى أن ننزل علي حكم محمد ؟ قال نعم و أشار بيده إلى حلقة إنه الذبح ثم أدرك لفوره أنه خان رسول الله فمضي هائما علي وجهه ولم يأت رسول الله بل ربط نفسه في مسجد المدينة إلى عمود من عمدة وقال لا ابرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت ، وعاهد الله ألا يطأ بني قريظة أبدا ولا يري في بلد خان الله ورسوله فيه أبدا ونزلت توبة أبي لبابة علي رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ست ليال كانت امرأته تأتيه في كل وقت صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع وفي توبته قال الله تعالى:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}سورة التوبة - آية 102 ولما اشتد الحصار ببني قريظة أذعنوا
وقذف الله في قلوبهم الرعب فنزلوا علي حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم
فتواثبت الأوس وقالوا يا رسول الله أنهم موإلينا دون الخزرج وقد فعلت في
موالى إخواننا ( يعنون يهود بني قينقاع ) بالأمس ما قد علمت فقال لهم الرسول
صلى الله عليه و سلم : ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟ وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى سوق المدينة فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق وكان عددهم ما بين ستمائة إلى سبعمائة والمكثر لهم بقول كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة ثم قسمت أموال بني قريظة و نساؤهم و أبناؤهم علي المسلمين ويلاحظ أن هذا الحكم الذي حكم به سعد هو ما توصي به التوراة في معاملة الخصوم وفي طرد الأحزاب ودحر بني قريظة نزلت الآيات :{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً {25} وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً {26} وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} سورة الأحزاب الآيات 25 –
|